(11)
كانت سلمى كتفاح الجنة تقف على الشرفة حين مرّ محمد من
تحت نافذتهم ..
وهي تسرح شعرها .. وتعطي نسيم الصباح فرصة ليدغدغ
خديها ..
حينها فقط شعر محمد بالسكرة .. مصحوبة بالغضب ..
الأولى لما يبعثه جمالها .. من سحر يسلب الألباب ..
وهذا متفق عليه عند الجميع .. أما الثانية .. فكونه شعر ..
أنها تستطيع الوقوف على الشرفة دون حسيب أو رقيب
بعد موت والدها .. حينها فقط أشار لها سائلا ً عن بدر
فأشارت بأنه في الخارج .. سألها عن أمها فأشارت بأنها نائمة ..
كانت إجابات واضحة بأنها تدعوه للقاء صريح .. ولكنه فهم
أنه هو من يدعوها فأشار لها أن تلتقيه عند السلالم ..
وأخذ يلتفت يمينا ً .. وشمالا ً .. حتى وصل وخرجت إليه ..
بكامل جسدها ورقتها .. فشعر بقشعريرة أنسته غضبه ..
وما إن اقتربت منه بهدوء حتى اشتم رائحة شعرها الزكية
فتمتم وهو يحول عينيه من شفتيها .. إلى رقبتها ويبتلع رقيه
بصعوبه .. كيف حالك .. فأومأت بأنها بخير ..
كانت هزت رمشها تكفي لانتزاع روحه .. وتكفي
لتتركه صريعا ً تحت وطأة حبها ..
حينها فقط انتزع نفسه واختطفها إلى حضنه .. وما إن غرست
نهدها في صدره وأحس بنار بركانية تخسف به
حتى وضع شفتيه على فمها .. وأمتصها حتى تنهدت فشعر
بحرارة أنفاسها ..
واشتم أريجها وهي تدفعه عنها .. بتنهيدة مناضلة ..
حتى تركها .. فأومأت بحزن .. لن نلتقي بعدها !!
وذهبت عنه ..!!
وانصرف لا يعرف تأويل هذه الكلمة ولا يفهم إن كان قرار
اتخذته من قبل لسبب يخصها .. أو أنها ردة فعل ٍ لما حدث
بينهما ... او أنه أغضبها ..
لم يتوقف .. وهو يتذكر آخر عناق
ويلمح ذلك الخال الذي أضفى جمالا ً تحت عينها اليمنى ..
كان قد سرقه الحسن .. حتى من الخوف على فقدها ..!!
لم يتوقف إلا عند البحر حينها وجد العم حسن وبدر
وجريدة بها بعض التمر ..
وكومة من خشب بجوار القارب ..
ألقى التحية وجلس معهما وفهم أن العم حسن ينوي جديا ً
إصلاح القارب
وأسعده الخبر .. ووعد بالمساعدة ..
(12)
لم تمضي أسابيع حتى أنهى العم حسن قاربه ..
وقام بالإبحار به
وعاد ثملا ً سعيدا ً .. يروي للجميع ما رآه في البحر .. من
حقيقة وخيال .. وقد التهى الصبية عنه .. وعاد لوحدته ..
يصطاد السمك بقاربه .. ويعود ليعطي بدر بعضه ويبقي
بعضه ليأكله ..
أما بدر فقد فاق من سكرة حزنه وقرر أن يحدث الشيخ عبدالله
بشأن ابنته ليلى .. وفعل .. وما إن سمع الشيخ كلامه
حتى صعق .. فسكت قليلا ً .. بدر جالسا ً بقربه ينتظر ما يعلم
أنه سيسمعه
فتمتم الشيخ أنت ولد طيب يا بدر .. وأبوك كان صديقي ..
وأنا لم أقصر في مساعدتك ولكني لا أريد أن يسمع أحد بهذا
الكلام فتضر ابنتي .. إن كنت فعلا تكن لها مشاعر طيبة ..
فا نسى الموضوع ..
فهم الرد وكان يعلم السبب .. ثم استطرد الشيخ ..
أنا سأساعدك لتتزوج أفضل من ليلى .. وعليك أن تعود لفتح
المقهى
حينها نهض بدر .. وهو يبتسم ويكرر شكرا ً لك .. أنا آسف
وخرج راكضا ً للبحر .. فوجد العم حسن .. وقص له ما حدث
قال له العم حسن إنها قرية ملعونة .. أخبرتك بذلك من قبل
فقبل مائة وخمسون عاما ً حين وصولي للقرية .. كانوا ...
فقاطعه بدر متأففا ً .. لا تكذب يا عم حسن ليس هذا الوقت
المناسب لقصصك ..
فتلفت العم حسن وقال لا بأس انسى الموضوع وحسب ..!!
(12)
مر الشيخ عبد العزيز إمام المسجد بجوار المزرعة فوجد
العم حسن يجمع في ثوبه بعض التمر ويبكي ..
فتعجب من أمره .. وسأله ما بك .. تجاهله العم حسن واستمر
في النحيب .. ولكنه اقترب منه .. وتمتم .. يا عم حسن ما بك
لا تحزن نحن معك .. نساعدك .. وأنسى قصة أنك شريف ..
فقال له العم حسن ليس ما يبكيني جوع ٌ ولا فقر ..
فالتفت الشيخ كالذي يريد التأكد أن لا أحد يسمع ما يدور بينه
وبين العم حسن وهمس إذن ماذا ؟
فقال لقد حلمت أن الله ينذركم بأن تتوقفوا عن أذية خلقه ..
وأن تدعوا الكبر .. وأن تسمعوا إلي .. وتنصتوا لقصصي ..
قال الشيخ ولماذا أنت .. ألأنك َ شريف .. ؟
قال لا .:. بل لأني آتيكم بما لا تعلمون .. آتيكم بالصدق
بالتواضع .. بالمحبة .. بالعيش البسيط ..!
تبسم الشيخ .. وقال لا بأس .. ستكون خطبة جمعتي عنك ..
وذهب يحث الخطى للاستاذ والشيخ عبدالله ..
وما هي إلا ساعات .. حتى أنتشر خبر العم حسن ..
بأنه إدعى النبوة .. وأنه زنديق كافر .. وماهو إلا يوم ..
حتى أقسم الشيخ عبدالله أن يطرده من الحجرة ..
فأخرج كل ما في حجرته وهو يتمتم إنها طلاسم الكافر ..
وقد بارك طرده كل القرية كبيرها وصغيرها .. حتى من لم
يقتنع سكت مخافة هذه الموجة الضاربة .. من الغضب..
(13)
اختفى العم حسن لشهور .. فما كان يلفظ اسمه حتى يتبع
باللعن والشتم ..
وفي إحدى الليالي سمع بدر صوت أقدام .. عند باب منزلهم
خرج راكضا ً ليرى من المتسلل ..
ولكنه هرب .. ولم يسمع سوى ركضه ..
في الصباح رأى بجوار الباب كيس ٌ تمر ..
وآخر سمك .. فعرف الزائر وابتسم .. وحاول أن يخفي
الأمر عن الجميع
بدأ بعدها .. في كل ليلة يسمع صوت أقدامه .. ويحاول أن
يمسك به فلا يستطيع .. ولا يجد سوى السمك .. أو التمر ..
أو كلاهما ..
قرر أخيرا ً أن يبحث عنه .. أخذ يمشي على الشاطئ طولا ً
وعرضا ً .. فلم يجده ..
شعر للحظة أنه فعلا ً لم يكن انسانا ً .. ولم يكن له وجود
حتى قرر أن لا ينام .. وأقسم أن يجده
وحدث وهو يتسلل أن أمسك به .. فارتفع صوتهما ..
واستيقظت القرية .. على الأصوات ..
وأخذوا يطردونه بالحجارة والأحذية .. وأخذ بدر يركض معه
حتى وصلو إلى الشاطئ فأشار العم حسن إلى القارب
فصعدوا وانطلقوا في البحر ..
فضحك بدر وتمتم العم حسن .. إنهم كفار ..
قال بدر أعلم ذلك ..!!
لا بأس ستجد ليلاك مهما طال الزمن .. لفظها العم حسن وهو
يخرج سيجارته .. فسأل بدر .. إلى أين ؟ وأين تسكن ؟
فتمتم العم حسن سترى ..!!
( 14)
وصلا مع طلوع الشمس إلى جزيرة .. كان بطرفها كوخا ً من
خشب .. وبخارجها مقعد ٌ صغير حوله تنتثر بعض الصحف
علق ببابه قنديل قديم ..
أدخله إلى الحجرة فوجد البوصلة .. ووجد الخرائط وصورة
من صحيفة قديمة .. تمتم العم حسن .. هذه صورتي وأنا
شاب .. تأملها بدر بكثب ..لم تكن تشبه العم حسن أبدا ً ..
فابتسم وقال له بالهمس .. كنت وسيما ً .. فقال بفخر نعم
وكان لي صديقات وحورية ..!!
تبسم بدر .. وقال أنا أصدقك .. فابتسم العم حسن وهو يشعل
سيجارته أعرف أعرف لهذا أنت هنا ..!!
وضع بعض الصحف على الأرض قال هذا سريري ..
وأنت ..؟
فجمع بدر بعض الصحف .. وضحك قال له العم حسن مابك ..؟
فقال له وأنا هذا سريري ..!!
أخذه العم حسن من يده ..وأخذ يجول به في الجزيرة ..
قص له قصة المعركة التي كانت في إحدى ساحات الجزيرة ..
بين الإنس والجان .. وأخبره أن العالم قد ابتدأ من نقطة
رسمها بغصن ٍ نزعه من شجرة
فقال له لمن كانت النصرة يا عم حسن ؟
فضحك وهو ينظر في الدائرة وفي مكان الموقعة ..
فقال للظلم ..!!
تنهد بدر .. وتمتم وهو يضرب يديه ببعضها .. إذن أين
ينتصر الحق أين ..!!
فأجابه العم حسن ولم يكن ينتظر بدر إجابة .. حيث يوجد أباك َ
ينتصر الحق .. في الوطن الآخر .. في الحياة الأخرى ..
وسحبه من يده .. وهو يقول أنا كذلك سأنتصر هناك ..
هيا بنا إلى المنزل قبل الظلام ..
جاء الليل ثقيلا ً .. كان العم حسن يراقب النجوم حين استيقظ
بدر .. فنظر إليه العم حسن سائلا .. ماذا ..!!
قال لا شيء ..
عاد إلى فراشه ونام حتى الصباح ..
في الصباح أخذه العم حسن في قاربه .. وأخذوا يصطادون
السمك .. كل سمكة يصطادونها .. يخبره باسمها .. ونوعها
وطعمها .. ويحكي له قصة عنها ..
حتى انتهى ذاك اليوم كان العم حسن بضحك بطلاقة ..
ويتكلم بكل هدوء .. فقال له إذهب للنوم .. فأنا لي النجوم ..
ألا تنام .. فرد العم حسن .. بل أرى النجوم ..
ذهب لينام .. استيقظ بدر متأخرا ً .. لم يكن للعم حسن أي
صوت
خرج للخارج لم يجده .. ذهب للقارب .. فوجد على بعد أمتار
العم حسن وهو يطفو على الماء .. وتطفو بقربه جريدة!!
أذهله المنظر .. حاول أن ينقذه بلا فائدة ..
علم أنه قد رحل .. رحل بكل غرابة .. كما جاء ..
لم يجد تفسيرا ً لكونه ملقى على البحر ميتا ً كالنائم ..
أخذ القارب وهو يرتعد خوفا ً وحزنا ..
وأبحر .. وهو يصرخ ذهبت للنصر .. ذهبت للحق ..
أتيت غريبا ً وذهبت غريبا ً ..
عشت كلغزٍ .. ومت كأصعب لغز ..!!
!! تمت !!
[align=left]
عزيزي القارء القصة تأخذ جهدا ً ووقتا ً من صاحبها ..
تقديرا ً لذلك حين نقلها .. لا تنسى تذييلها باسم ..
أهازيج خريف
تحية لروحك
[/align]
المفضلات